كلمة
المحرر
الحكم
بإعدام صدام حسين شنقاً
يوم
الأحد : 5/ نوفمبر 2006م (13/شوال 1427هـ) أصدرت المحكمة «العراقية»
– رسمًا – الأمريكية – حقيقةً – الحكم بالاعدام شنقًا على صدّام حسين (الرئيس العراقي
المخلوع من قبل أمريكا قسرًا) ونشرته وسائل الإعلام بأنواعها كلها في العالم كله
بجميع لغات الدنيا المعروفة . ورقص بذلك فرحًا بوش الابن (الرئيس الأمريكي)
والشيعة العراقيون والأكراد خصوصًا والشيعة في العالم عمومًا حتى في بلادنا
النائية الهند .
وتَأَلَّم
السنّيون بذلك في كل مكان ، كما تألّم المحبون الحقيقيون للعدل في أقطار الدنيا .
تَأَلَّم السنيون بجميع مدارس فكرهم ومذاهبهم وطوائفهم ، حتى الذين يعرفون عن كثب
وعن كتب ويؤمنون بأن صدام حسين كان حاكمًا أقرب إلى الجنون منه إلى العقل، وكان
أخرق في جميع تصرفاته الحياتية ، ولم يعرف من الحزم والرشد ولا رسمه فضلاً عن
حقيقته ومعناه . نحن من الذين قالوا وكتبوا ضدّه كثيرًا ؛ لأنّه أباد بنفسه القوة
العسكريّة والقدرة الحربية لدى بلاده ولدى الدول الإسلامية المجاورة ، كما دَمَّر
البنى الاقتصادية لديه ولدى عدد من الدول العربيّة . وكان حاكمًا دكتاتوريًّا
مستبدًّا لا يحكّم العقلَ ولا يحتكم إلى الدين ولا يراجع عقله ولا يستشير مع وعيه
فضلاً عن أن يستشير مع أنصاره الصلحاء الأذكياء – إذا كان لهم حضور لديه – فأضاع
كثيرًا من أهالي وطنه ، كما بدّد الثروات الوطنية ، في حروب وصدامات غير شرعيّة ،
وبدّد الاقتصاد العربيّ الذي لم يتبدّد إلاّ لصالح أمريكا وإسرائيل والأعداء
الغربيين ، وخلق لنفسه ولبلاده ، ولعشيرته وزملائه ورفقاء دربه أعداءً لايُحْصَون
. وكان على رأس الأعداء الصهاينة اليهود والمسيحيون ، الذين دمّروا أولاً بـ«الحكمة»
أسلحته وعتاده وجردوه حتى من كل نوع من العصيّ والقضبان والكرابيج ، ثم هجموا عليه
باختلاق مبررات ، كانت في الواقع مسرحيّات محكمة الأدوار ، وهجموا على وطنه ،
وسلبوه إيّاه، واحتلّوا ترابَه ، وقتّلوا إنسانه – ولايزالون – واغتالوا ابنيه
الوحيدين ، وشَرَّدُوا أفرادَ عائلته ، وفجّروا في وطنه مسلسلاً من أنهار الدماء
بإثارة حرب أهلية لا تنتهي ، وأذلّو الإنسانَ المسلم بالاعتقال والاذلال، والتحقير
والإساءة ، والتعذيب الجسديّ والنفسيّ الذي لا يطاق . وأخيرًا اعتقلوه – صدام حسين
– هو الآخر يوم 14/ ديسمبر 2003م (الأحد 19/شوال 1427هـ) من مخبئه الذي كان يعيش
فيه مختفيًا مجردًا من كل وسائل الحياة كالمعدم الذي يتخذ كوخًا ليتقي الحرَّ
والقرَّ.
ثم حاكموه محاكمة غير شرعيّة – كما كانت
الحرب عليه وعلى بلاده غير شرعيّة – في محكمة غير شرعيّة ، بإجراءات كلها كانت غير
شرعية ، وعن طريق محامي الإغاثة والقضاة كلهم كانوا غير شرعيين . وكانت بداية
المحاكمة يوم 19/ أكتوبر 2005م (الأربعاء: 14/ رمضان 1426هـ) وأُصْدِرَ الحكم عليه
بإعدامه شنقًا بشكل غير شرعيّ تمامًا يوم الأحد: 5/نوفمبر 2006م (13/ شوال
1427هـ).
وكان
العالم على يقين بأن صدّام هذا هو مصيره بعد ما احتلّ العراق بوش المسيحي الصليبي
المتصهين الإسرائيلي أكثر من إسرائيلية شارون . لم يكن للعالم ليتوقّع غير هذا
الحكم في حق صدّام حسين ؛ لأن بقاء صدام حيًّا يشكل خطرًا محتمًا على بوش وزمرته
المجرمة في البيت الأبيض ووزارة الدفاع والإدارة كلها . كما يشكّل خطرًا على
الصهاينة إذا صَحَّحَ صدّام – بتوفيق الله – «قبلته»
إلى الكعبة وبقي حيًّا يرزق ، ومنّ الله عليه بتولّى مقاليد الحكم في بلاده مجددًا
.
إني
بهذه السطور لا أدافع عن صدّام ، ولا أريد أن اُبرئ ساحته . إن صدام مجرم حقًّا في
شأن نفسه ، ووطنه ، وشعبه ، وأمته ، و – أخيرًا – عائلته . ويستحق أن يُحَاكَم
ويُؤَاخَذ ويعاقب . ولكن لايجوز ، ولن يجوز أن يكون ذلك بيد بوش المجرم الأكبر في
العالم وبيد الحكومة الأمريكية في العراق ، وبيد الشيعة الذين هم شرٌّ كبوش في حق
أمة الإسلام ، أو بيد الأكراد الذين دائمًا تعوّدوا في العراق أن يخلطوا عملاً
صالحًا وآخر سيئًا
. وانما كان – وسيكون – جائزًا أن يتم ذلك عن طريق المحكمة الإسلاميّة العادلة
التي تحاكمه . إن المسلمين – العراقيين خصوصًا وغير العراقيين عمومًا – هم أجدر
بأن يسائلوا صدّام ويستجوبوه ، ويحاسبوه على كل جريمة ارتكبها دون مخافة من
المؤاخذة من قبل الله وقبل خلقه .
أمّا
أن يعاقبه مجرم رقم واحد على مستوى العالم وهو بوش الابن فهذا يؤلم المسلمين في
مشارق الأرض ومغاربها . إنّ هذا الموقف يجعل المسلمين يشعرون بالذلّ والاستخفاف
والدونيّة ؛ لأن بوش إنما أقدم على مؤاخذة صدام ومعاقبته إشباعًا لعاطفته
الصهيونية ومشاعره الصليبية ؛ لكي يُرِي المسلمين في كل مكان عمومًا والقادة
والساسة والحكام المسلمين في جميع بلاد المسلمين خصوصًا ، أنهم على خطر من قبل بوش
مثل الذي يطال الآن صدّام حسين ، إذا لم يستسلموا لأوامره ونواهيه ، ولم يفعلوا ما
يملي عليهم .
إن
صدام حسين – على علاته السابقة كلها – أصبح اليوم رمزًا لحاكم مسلم خُلِعَ من
منصبه بالظلم والإكراه وبكل نوع من اللاشرعية من قبل عدوّ لا يتصل بنا بأي نوع من
العلاقات ، وإنّما هو عدوّ محض ، وشرّ مستطير ، جماع للخبائث ، بإجماع جميع
الخبراء ، والمعلقين والمحللين ، في دنيا الله من غير المسلمين فضلاً عن المسلمين
.
وإذا
كان مجرد إصدار الحكم –
والواقع ما أشرنا إليه –
ضدّ صدام يؤلم المسلمين ، فإنّ تنفيذه فيه يؤلمهم بشكل أقوى . وتداعيات تنفيذ
الحكم فيه لا تقتصر على العراق ، وإنما تتعداه إلى العالم كله . ولهيبُ الحريق قد
يمسّ عاجلاً أو آجلاً بوش وزمرته وبلاده وكل من يظن من المجرمين في حق الإسلام
والمسلمين ، أنه على نجوة من كل خطر .
[التحرير]
(تحريرًا في
الساعة 2 من يوم الثلاثاء : 22/ شوال1427هـ = 14/ نوفمبر 2006م)
* * *
مجلة
الداعي الشهرية الصادرة عن دار العلوم ديوبند ، الهند . ذوالقعدة 1427هـ = ديسمبر
2006م ، العـدد : 11 ، السنـة : 30.